شهر نوفمبر - أشعار .

(الـ . . بالـ . . ) - للكاتبة / أشعار


احتقان ,

احتقانُ الفراغ بالملح ,
و الملح بالبحر ,
و البحرُ بالزرقة ,
و الزرقَةُ بالورَم ,
و الورم بالتأجُّج
و التأجج باليأس ,
و اليأس بالنار ,
و النّار تعني ..
أنْ لا شِفاء .

احتقان ,

احتقانُ القطار بالحقيبة ,
و الحقيبةُ بالحقيقة ,
و الحقيقة بالحزن ,
و الحزن بالشجَر ,
و الشجر بالخريف ,
و الخريف بالحمّى ,
و الحمّى بالمرايا
و المرايا تعني ..
غياباً على شكلِ خريطة .

احتقان ,

احتقان العُمر بالفجوات ,
و الفجوات بالأصوات ,
و الأصوات بالصدى ,
و الصدى بيومِ الأربعاء ,
و الأربعاء بالانتظار ,
و الانتظار بالانتظار ,
و الانتظار بالخيبة ,
و الخيبة بالحنظل ,
و الحنظل يعني ,
أنْ لا بَراء من الصدى ,
و الحنظل يعني ,
بقيّةَ أربعاءٍ عليلْ .

احتقان ,

احتقان العقلِ بالقامات ,
و القامات بحَمامٍ لا يطير ,
و اللا يطير تعني ,
شللٌ يرقص كالغَوْرِ ,
و اللا يطير تعني ,
غورٌ طافحٌ بالرغبَات .

احتقان ,

احتقانُ العالَم بالأرض ,
و الأرض بالقبر
و القبر بالناس ,
و الناس بالدود ,
و الدود بالملح
و الملح بالفراغ ,
و الفراغ بالجنة ,
و الجنّة تعني ,
إمّا تغريد الطير ,
أو فحيح ما غاب
عن الأربعاء .

احتقانٌ ..

الـ … , بالـ …
و الـ … , بالـ ….
و الـ … تعنِي ,
المزيدَ مِن الفراغ ! .




شهر نوفمبر : HERA

(وضعية السقوط!) - للكاتبة / HERA


شخص تعشقه
بلا مبرر
هو شخص تسامحه أيضاً
بلا مقاومة
حتى أن تجـعل منه جلادك
وقد كنت تعرف هذا منذ البداية
لكنك تواطأت مع نفسك
حتى النهاية
تكفيراً لذنبك
ستحمله يوماً إلى السماء
لتذبحه
فتمطر السماء دمه
باتساع أكبر دائرة
تكريماً له
وستظل بالأعلى وحيداً
فارغاً من الشحنات
لتدرك فجأة
أن قدماك على الأرض
ورأسك بالأسفل
نعم .. أنت بالجانب الأسفل
من الكرة الأرضية
انظر إلى الأعلى .. أسفلك
و إلى الأسفل ... أعلاك
أم العكس هو الصحيح ؟؟
لا تفرق .. مجرد وجود نسبى
لا تباعد بين قدميك
هذا ليس بهاجس أنت بالفعل تسقط إلى السماء
والآن ... اتخذ وضعية السقوط !!!!!!!



شهر نوفمبر - الشاهين .

(منتصف الليل إلا ربع.. !) - للكاتب / الشاهين


..ورقة أولى

صديقي ليس كسيحا؛ هذا ما أنا متأكد منه، رغم أنه يخبئ أقدامه عني تحت المقود بشكل دائم...... تسعة أعوام مضت منذ أن التقينا للمرة الأولى عند الإشارة الحمراء. كنت لحظتها مستعدا لخوض أي من الأحاديث البلهاء.
يبدو الأمر مثيرا للاهتمام، أو الاشمئزاز، عندما يقفز شاذ جنسي إلى طاولتك المعدنية متحججا بإشعال سيجارة كارتيه لاختلاق حديث ما. ليس بالضرورة أن يتبع هذا الحديث المبدأي تحرش جنسي سريع، فغالبا ما يخبئ لك هذا التحرش إلى مناسبات أكثر صخبا. قد تمنح قداحة السجائر الخاصة بك دون أن تزيح عينيك عن تلمس نقد تبجيلي مطول لــ "بنات الرياض" أو مجرد خبر صغير عابر عن صدور "قنص" أو "فسوق"، أو قد تتوقف عن القراءة لتشعل سيجارة الشاذ بنفسك، فالأمر يحكمه المزاج المحض، المتحرر من لباقتك الاجتماعية، بتلك اللحظة.
صديقي ليس كسيحا، ولا شاذا، هذا ما أنا متأكد منه. ليس فقط كونه طلب مني اشعال سيجارته عند الإشارة الحمراء، وليس بالقرب من الطاولة المعدنية. وليس كونه لم يرتب للقائي مرة أخرى، بل تم الأمر بمحض صدفة تابعة لا أظنه رتب لها بشكل يفقدني الثقة بنباهتي المعتادة، ولكن لتأكدي- بعد التجربة اللاحقة أنه مدمن لــ النيكوتين، وأن قداحة سيارته لاتعمل. حدث ذلك عندما فرغت بطارية هاتفي النقال قبل جسر البحرين بخمسين كيلومترا وقسيمتي سرعة، ومخالفة انتهاء رخصة التجول بمدن بلا أحذية.
إلى جانب كونه غير شاذ، فأنا متأكد جدا أنه ليس كسيحا، ولم تضللني عكازة الألومنيوم الممدة على مقعد الــ "لومينا" الخلفي، عن هذا الإستنتاج. لا أنكر أنني لم ارى قدميه يوما؛ غير أن غيبياتنا تؤكد أن عدم الرؤية لا ينفي الوجود. ثم أنني لم أعتد رصد اقدام الآخرين، متجاهلا كل افتراضات صديقي (م) بأهمية الأقدام.
قال لي، ذات لقاء: (حجم قدم الرجل يساهم في تشكل شخصيته، وهيئة قدم المرأة سببا في اكتناز مؤخرتها من عدمه)
- الـــ 43، كمقياس ايطالي، أجدها على "فاترينات" محدودة تلتهم بعض أرصفة المدينة العرجاء.... وغير ارصفتي المحدودة لا تعنيني اقدام أخرى.... أنا لست اسكافيا، على كل حال، لأحدد نوع أصدقائي أو نزواتي العاطفية استجابة لصورة حذاء نسيها عابر على تربة تشبعت بالمطر.
على مدخل الـــ "سيف وي" ألمحه على مقعد صغير، دون ظهر أو اقدام، يرصد اقدام العابرين كعاشق ماهر.. أمنح له قدمي ليلمع جلدها البني المستعار، من حين لآخر، كــ إرضاء لفضوله. صديقي لم يفعل يوما رغم أنه ليس كسيحا، وهذا ما أنا متأكد منه رغم رؤيتي للعكاز المعدني ممتدا على مقعد الــ "لومينا" الخلفي أكثر من مرة!
على مدى تسعة أعوام وأنا ألقاه إما ممتطيا العجلات، بسرعة جنونية، أو مسترخيا على طاولة معدنية؛ يستطعم القهوة السوداء والأحاديث المرة، والضحكات الساخرة، وكونه يفعل ما ألاحظه على أبناء المدينة برمتها لا يجعلني أشكك، كــ صديقي (م)، أنه كسيحا!


.. ورقة ثانـــــية..

ليس بيني وبين السرير سوى مسافة لا تتجاوز خلع "المنشفة" الملفتة على خصري لا أكثر.
قالت أنها تشعر بالنعاس، وأنا أشعر بالكتابة، وعلي أن أتجاهل المسافة الفاصلة بين "منشفتي" والسرير، وعليها أن تترك لــ "ضغث" الحلم أن يستسلم لسطوة "الكيبورد" كتطبيع مع جندي محتل اشرأب أنفه كبرا..
مساء الغرفة باردٌ كعاطفة شيخ له تسعة أبناء، وجسدها الناعم لا يحتمل هذا البرد. تدثرها بالأغطية لا يمنع قدمها الناعمة من لعن حرس الشتاء بالتسلل قليلا إلى خارج القيود، وكفري بقياسات الأقدام والفترينات لا يمنع بصري من التربص باصابعها الدقيقة.
ستنام، وسأكتب.. ستبرد أصابع قدمها كقلب شيخ، وسأقيس حذائها بفضول إسكافي الــ "سيف واي"، رغم ثقتي أن صديقي ليس كسيحا، وأن صديقي الآخر (م) متسرع في اختلاق النظريات!


..ورقة ثالثــــــة..

علبة سجائري فارغة الآن، وحذائي بعيد عن فضول البحث بمقدار رغبة ليلية في الاسترخاء، والمراودة فعل استثنائي لا يجيده من يحيى انتظارا لموت يؤمن بلياقة خاتمته... الموت لا يأتي لائقا في معظم الأحوال !
تساورني رغبة مراودة أصابع قدمها النائمة عن وجعي، وأتضرع شبقا إلى سيجارة لا تضطرني إلى معاودة البحث عن قدمي المستعارة (جزمتي)....... صديقي ليس كسيحا على كل حال، رغم امتطاءه عجلات سريعة قد تقود إلى الموت بكل اللحظات، كمدينة استمرأت "الحفي" والموت التصاقا بأعمدة النور وأشجار الزينة على الطرقات. الوقت- ساعة وتسعة وثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل- اقل قدرة من استرخائي على مهاتفة صديقي الآن... لست مؤمنا أن يرد لي جميل قداحة الإشارة الحمراء بسيجارة متأخرة على كل حال، ولن تفيق أصابعها النائمة لهدهدة لهفتي بـــ هذا المساء !

.. ورقة رابعة ..

القدم هي المقياس المتري الأولي لحجم هذا العالم..
والـــ تحليق لا يحسب سوى بالأقدام !
3400 قدم طيران هي كل ما تحتاج للوصول إلى جدة، كمثال تقريبي.. و 60 قدم هبوط كافية لأن يصعد قلبك إلى ترقوتك، وروحك إلى الله!
لا أستطيع بهذه اللحظة، وأنا أفكر بقدمها أن أكفر بتنظيرات صديقي (م)، ولا أجزم، قناعةً، بكساح صديقي الآخر لمجرد انثيالنا كشبق أبوي ردئ على صدر مدينة حافية.
قال لي أن جبينه مستعد لتصوير خطوط بلاط الرصيف عند أي انزلاق عابر، ولم أصادق على هكذا افتراض طالما أن ساقيه مخبأة تحت مقود الـــ "لومينا"، أو تحت سيقان طاولة المقهى المعدنية كل ما التقينا!
صديقنا (م) ترك لنا نسخة مزورة من سحنته على زجاج مقهى "التحلية" ورحل؛ لمجرد تغزّل عابر بنكهة إصبع قدم حبيبته الصغير.


شهر نوفمبر - ركام .

(إسرارات !) - للشاعر / ركام


*
أنا المسكين
من ليس يمكن أنه يوماً
سيرجو مرحمة .
*
أنا الشاعر الوتر الذي لولاك يا أصدق الأصدقاء, يا أنبل الرفقاء , يا أجمل الأشياء في عيني وقلبي الذي يطمئن بقربك أكثر من أي قرب آخر لأي شيء عداك..أنا الذي لولاك كنت مع حزني العظيم العظيم وجنوني اللانهائي , يتيما أثير في كل شيء يراني أو لا يراني الكثير من الشفقة, الشعور الأشبه بشمطاء حقيرة تافهة .
*
أنا الكائن الحي الوحيد في عالم كله ميت ..كله مقبرة.
أنا الوحيد في العالم, من بوسعي فعل الأقل بكثير مما يمكن..للتعبير عن أكثر مما يمكن بكثير.
*
أنا خلاصة
ربع قرن من الزمن العاصف!
والمختصر المفيد لتاريخ الألم.
*
إنني أنا , من بذات الوقت الذي كل مخلوقات الله رأتني أسعدها ؛ كان الله الذي يعلم ما لا تعلم كل مخلوقاته مجتمعة, الله الذي يعلمني جيداً أكثر من أي مخلوق.. أكثر من أي أحد, كان يراني تماماً .. على عكس ذلك!
*
أنا يوم مولدي, كان الوجود مستنفراً كله ليواجه أخطر حالة طارئة في كل تاريخه.
وبذات اليوم كان أعظم حدث في الكون بالنسبة لي.. انه حدث عظيم جدا الى حد ان أحداً لم ينتبه إليه. إنه ديدن نقاط التحول العظيمة في تاريخ البشر.
*
أنا قلم حمزاتوف الذي لا يموت .
أنا مداده الأبديّ ..
أنا يد مونيه الخالدة.
أنا الصوت الوحيد لكل شدو مر على صمت كل العصور..
أنا مصدر الأغنيات الوحيد ومداها
أنا ؛ و كل أناشيد الزمان
أنا صداها السرمديّ.
*
والبنت البردانة في أقصى الكون
قصيدتي المفضلة ..
*
صوت مفاصل أبواب منزلنا القديم ,حين يثّاقل الباب لما تحركه الرغبة الثائرة, تحدث في فضائي أجمل أغنية في الحياة ..
*
انا من يجيئ كدستور للساحل الغربي و لكل البنادر, الموجودة كنهايات مناسبة نثرتها يد الله على الكرة الأرضمائية كمراكز للحزن أو للشعور الموضعي بعامة. ولمن أراد استثارة كل براكينه في هدوء شديد.أو كمصحات لذوي الأذهان البليدة, و الأفئدة المتصحّرة / المتصخّرة, و لعموم من ماتوا مسبقاً.
*
أنا من جدلت سيدة النور, جلالة ملكة لياليّ السرمدية الكلها سهَر ونشوات بعيدات عالياً جداً ؛ سنيّ طفولتي المرهقة الأولى باغنيات كـ"حبّينا وتحبّينا" و"ميِّل وحدف منديله" و"أنا بسأل النجوم كل ليلة عليك وباكتب كل يوم غنوة شوق بتناديك" , و"معزومة من ضمن المعازيم".
*
حتى كنتُ أنا ضفيرة الشِّعْر الوحيدة. وعليهِ كنتُ أنا .. فرصة الزهو الوحيدة للحياة!
*
وكما للجبل وصفاء اللون الأخضر ونقاء الماء الطازج من الله مباشرة لريق الأرض..الأثر واضح على كل شيء فيّ , للبحر كذلك أيضاً وبياض ملوحته والصدأ.
وللحزن والغربة العاصفة.
*
مكبّل أنا و هذي مذكرة
لحمل كل ما لا أطيق.. الخ!
أو الى آخره!
*


شهر نوفمبر - رجاء عزاوي .

( عن الريحاني في عيده 35!) – للكاتبة / رجاء عزاوي

- الستار الذي يبطئُ هجرته ، السرير المشعث ،الدسار الذي يسبح في فلكِه العظيم كأنه سماءٌ أخرى ، يبدو لي أن الوحدةَ تتحول إذ نمتُ لا أعرف قرابة كم، غارقة في لجِّ من الظلمةِ مضيئةٌ حيناً ، حالكة حيناً , عبر هذا النفق العذب من الإشاراتِ التي تمضي ببطء فوق رأسي .
لم أكن أسمع إلا هسيس الأرض الذي يعلو مع كل انحناءة ريحان ، و صوتَ العشب الذي يمنحُ النيامَ معنى للألوهة .
عينايَ تتثاقلانِ كحجارةٍ ناضجة ، تبحثان عن ثقبٍ في جفني ينمو عبره الضوء و يحترق .
فُجاءً خيل لي أن صوتكَ يرتحلُ عبر زجاج النافذة ، يغسلُ فرحتي في شكلها الأول كما صلصال عارٍ
يدفعُ هذا النوم بعيدا ،يأخذني مجروشةً إلى منافذ أخرى سرعان ما بددتهُ في إناء فارغْ و أسكنتْ رأسي موسيقى الشجر.
*
- ليسَ أكبرَ من وحشةِ البقاء وحدكَ تحاول على دنٍّ ابطاءَ لهفكَ وكل حواس الريح تغتالُ سكونك. يداك جذلى نحو السماء يغطيها دُبَالُ الصمتِ ، فمكَ يكَّاشفُ عن تناهيدَ أرجوانية ، عيناكَ زمردٌ يسافر عبر مصابيحِ الغرفة و وجهكَ مضاءٌ بعشب لا يقدر أيُ ديجرٍ أن يحصرهْ . تمضي بين أشجار العرعرِ تجوسُ فضاءهاَ كذكرٍ نحلٍ واحدٍ في ذاته ، يلاحقه ظله هيولياً لا تبللهُ زهرة.
الريحاني نسبةً للريحان الذي تهشهُ جيئةَ و ذهابا ، فيما عيناك معلقةٌ في سقف الحوض الإيزوروسي يكادُ يتمزق عن طرف قصيدةٍ أو أولَ جنة.
مرَّتْ الآن أربع سنواتٍ ، لستُ إلا كلاما يعبرها يحارب الغياب ، و أنت الريحانيُ الذي ينهض من رماده كفينقٍ مشتعل ، تقرع نافذتي في منتصف سهري يفلت بعدها مني باقي الكلامْ. ويستحيل الضوء ريحا و سديما.
لطالما تخيلت طريق دوف المليء بالسمندلات ِ ، البلاد الفائقةُ الكمال التي ننتظرها ، ستقول أن الصباح يزين عتبة البلاد الرخامية وأنه كائنٌ مسمى للصفصاف يحتلُ سواقيَ دمنا. ستقول :لأجلكِ سأرفع أفقَ عينٍ تسقطُ فيه النجوم ، سنعبُّ من معزق الليل غايتنا .
مرتْ الآن أربع سنواتٍ،نجحتُ في تميز فحم أجفانكَ الذي يسافر شارةً سوداءَ عبر جسمك الناحل وأثر الحوافر التي تثقب يدكَ اليمنى ، لحظة يميل إليكَ الخيل بوجه البني كمثل عصفور يرتجف . فيما حزنك قد شيَّد نحو الشاطئ جسرا من حديد لم يعد يستوقفهُ ملاكٌ ولا لون.
يتبادر لذهني الآن شجر القيقب وقد اشتعلَ برأسه الخريف، يخيلُ إلى الناظر لأوراقه أنها تتلألأُ وأنه أمام شجرة كونيةٍ توشك أن تنفطر على مأوى، وأنت كأنكَ في صدرها تدخلني مرجَ الضوء و النهر يتحدث قربنا عن هذا الحب النابت الـ يتشكل فجأة.