شهر نوفمبر - رجاء عزاوي .

( عن الريحاني في عيده 35!) – للكاتبة / رجاء عزاوي

- الستار الذي يبطئُ هجرته ، السرير المشعث ،الدسار الذي يسبح في فلكِه العظيم كأنه سماءٌ أخرى ، يبدو لي أن الوحدةَ تتحول إذ نمتُ لا أعرف قرابة كم، غارقة في لجِّ من الظلمةِ مضيئةٌ حيناً ، حالكة حيناً , عبر هذا النفق العذب من الإشاراتِ التي تمضي ببطء فوق رأسي .
لم أكن أسمع إلا هسيس الأرض الذي يعلو مع كل انحناءة ريحان ، و صوتَ العشب الذي يمنحُ النيامَ معنى للألوهة .
عينايَ تتثاقلانِ كحجارةٍ ناضجة ، تبحثان عن ثقبٍ في جفني ينمو عبره الضوء و يحترق .
فُجاءً خيل لي أن صوتكَ يرتحلُ عبر زجاج النافذة ، يغسلُ فرحتي في شكلها الأول كما صلصال عارٍ
يدفعُ هذا النوم بعيدا ،يأخذني مجروشةً إلى منافذ أخرى سرعان ما بددتهُ في إناء فارغْ و أسكنتْ رأسي موسيقى الشجر.
*
- ليسَ أكبرَ من وحشةِ البقاء وحدكَ تحاول على دنٍّ ابطاءَ لهفكَ وكل حواس الريح تغتالُ سكونك. يداك جذلى نحو السماء يغطيها دُبَالُ الصمتِ ، فمكَ يكَّاشفُ عن تناهيدَ أرجوانية ، عيناكَ زمردٌ يسافر عبر مصابيحِ الغرفة و وجهكَ مضاءٌ بعشب لا يقدر أيُ ديجرٍ أن يحصرهْ . تمضي بين أشجار العرعرِ تجوسُ فضاءهاَ كذكرٍ نحلٍ واحدٍ في ذاته ، يلاحقه ظله هيولياً لا تبللهُ زهرة.
الريحاني نسبةً للريحان الذي تهشهُ جيئةَ و ذهابا ، فيما عيناك معلقةٌ في سقف الحوض الإيزوروسي يكادُ يتمزق عن طرف قصيدةٍ أو أولَ جنة.
مرَّتْ الآن أربع سنواتٍ ، لستُ إلا كلاما يعبرها يحارب الغياب ، و أنت الريحانيُ الذي ينهض من رماده كفينقٍ مشتعل ، تقرع نافذتي في منتصف سهري يفلت بعدها مني باقي الكلامْ. ويستحيل الضوء ريحا و سديما.
لطالما تخيلت طريق دوف المليء بالسمندلات ِ ، البلاد الفائقةُ الكمال التي ننتظرها ، ستقول أن الصباح يزين عتبة البلاد الرخامية وأنه كائنٌ مسمى للصفصاف يحتلُ سواقيَ دمنا. ستقول :لأجلكِ سأرفع أفقَ عينٍ تسقطُ فيه النجوم ، سنعبُّ من معزق الليل غايتنا .
مرتْ الآن أربع سنواتٍ،نجحتُ في تميز فحم أجفانكَ الذي يسافر شارةً سوداءَ عبر جسمك الناحل وأثر الحوافر التي تثقب يدكَ اليمنى ، لحظة يميل إليكَ الخيل بوجه البني كمثل عصفور يرتجف . فيما حزنك قد شيَّد نحو الشاطئ جسرا من حديد لم يعد يستوقفهُ ملاكٌ ولا لون.
يتبادر لذهني الآن شجر القيقب وقد اشتعلَ برأسه الخريف، يخيلُ إلى الناظر لأوراقه أنها تتلألأُ وأنه أمام شجرة كونيةٍ توشك أن تنفطر على مأوى، وأنت كأنكَ في صدرها تدخلني مرجَ الضوء و النهر يتحدث قربنا عن هذا الحب النابت الـ يتشكل فجأة.


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

زخم ،
مبدعة يا رجاء !